العـرب.... يعلنـون إفلاسهـم
د.نسيب حطيط*
لقد نعى العقيد القذافي،الجامعة العربية والعمل العربي المشترك،معلنا بأنه سيملأ الفراغ بين قمة وأخرى،وأن العرب غير ملزمين بوحدة الموقف، فمن شاء مشى ومن شاء قعد،ووافقه في ذلك أمير دولة قطر الشيخ حمد آل ثاني،وصادق على توقيعهما أمين الجامعة العربية عمرو موسى،مستنجدا بالجوار العربي القوي(إيران وتركيا) لحفظ المصالح العربية المهددة بالإستباحة من فلسطين إلى العراق إلى السودان والصومال وموريتانيا واليمن...)والحبل على الجرار.
أعلن اكثرالعرب عجزهم،عن سحب مبادرة السلام الميتة،والتي تغتصبها إسرائيل كل يوم بتهويد القدس وكل المقدسات،والعرب لا يستطيعون الإتفاق على فك الحصار المصري عن غزة العربية الإسلامية، وفتح شريان الحياة على معبر رفح،بل وهدم شرايين الحياة في الأنفاق.
وقد إستقر اكثر العرب في لغتهم على حال(المفعول به)ولا يستطيعون الإنتقال إلى دائرة(الفعل أو الفاعل)،وإن تحركوا فإلى حالة الجر والمجرور أميركيا أو إسرائيليا أو أوروبيا.
المنظومة العربية،مفككة في لا يجمعها إلا الذل وإستباحة الآخرين لسيادتها ،ومفككة على مستوى الدول والممالك والإمارات،فالحاكم لوحده وألشعب لوحده والمستقبل بيد الآخرين،والنفط في خزانة البنوك الأميركية المفلسة والبورصات المنهارة.
عرب بلا هوية ولا موقف ولا قرار،هم ضائعون بين الفرعونية والقومية والطائفية والمذهبية،بين الإعتدال والتطرف،بين الإسلام والحداثة،بين السلفية والإجتهاد،ولأن نظامهم الإقتصادي قائم على نظم(الكفيل)فإنهم يبحثون عن نظام(الكفيل السياسي)،الذي اعتقدوا أنه الإدارةالأميركية لحفظ عروشهم وأمنهم،لكنها بعيدة جغرافيا،فاستبشروا خيرا بأنها قدمت إليهم، فاحتلت العراق وأفغانستان ،وصار السفير أو القائد العسكري الأميركي،تعويذة الأمان للخائفين منهم ،وفقدوا الثقة بالنفس واقعدهو ضعفهم،فاستنجدوا ،بالجوار(تركيا وإيران) وخجلوا من إضافة العدو الإسرائيلي وعلقوا بطاقة دعوته حتى إقرار السلام العادل ، بضغط سوري يعيد للعرب صوابهم وقرارهم عبر إقامةمنظومة عربية إسلامية(على الأقل أقليميا)لإحداث التوازن الإقليمي مع إسرائيل، المدعومة والمحتضنة أميركيا بشكل فعلي وميداني،وليس كلاميا،كما تفعل مع العرب.
لكن ما يثير الدهشة ،ما شهدناه في القمة العربية،على مستوى الخطب والمواقف حيث بدا أن الرئيس رجب طيب أردوغان(المسلم التركي)هو الرئيس الفلسطيني الفعلي،عندما أعلن أن إحراق القدس، يعني إحراقا للمنطقة و للعالم،وأعلن عن التوأمة المصيرية بين القدس واسطنبول،بينما تفتح أبواب العواصم العربية لنتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين،على مآدب الإفطار وتمده بالغاز المدعوم،وتمنع الدواء والغذاء عن غزة الفلسطينية!!...
ولم يعجب هذا الموقف ،محمود عباس المنتحل صفة رئيس السلطة الفلسطينية ،الوحيد الذي لم يصفق لأردوغان،إما استنكارا لهجومه على إسرائيل،أو لأنه قام بتعريته من وطنيته وإسلاميته التي لم تحركه لوقف المفاوضات،ولا تمنعه من سجن المقاومين،مع كل الإذلال الذي تفرضه إسرائيل عليه سواء بالتنقل بحماية الشاباك ،أو منع زوجته من دخول الأقصى برفقةزوجة الرئيس الشيشاني.
لقد نجحت سوريا في إستراتيجيتها الجديدة،بعدما يئست من إستنهاض العمل العربي المشترك،نتيجة ضعف العرب من جهة أوبسبب الضغط الأميركي عليهم،فأسست على تجربتها الإيرانية والتي أثبتت فعاليتها في حفظ التوازن الإقليمي،وحماية محور الممانعة السوري الذي بقي وحيدا في ساحة المواجهة،والدعم لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين،فطرقت الأبواب التركية متجاوزة بعض التاريخ،لتحمي المستقبل المهدد بالضياع ، فكان الإنفتاح السوري على تركيا، لترسيخ التفاهم والتعاون ،علها تبني مثلثا من الدول(إيران-تركيا-سوريا) ومثلثا من حركات المقاومة(لبنان-فلسطين-العراق) لمواجهة المد الإستعماري الأميركي- الإسرائيلي،وإقناع العرب المترددين بصوابية هذا الخيار وأنه الحل الأفضل لحماية ما تبقى من العالم العربي،واسترجاع ما ضاع استغلالا للحظة تاريخية ذهبية تنشغل فيها الإدارة الأميركية بالإنتكاسات العسكرية في العراق وأفغانستان،ولتختار بين الإحتلال الباهظ الثمن والإنسحاب الأقل كلفة،وإنتكاسات مالية تضرب الداخل الأميركي، بالإضافة إلى حالة الإرتباك والإنفعال الإسرائيلي،وخسارة زمام المبادرة على المستوى العسكري،سواء ببدء الحرب أو إنهائها.
فإذا نجحت إستراتيجية تجميع القوى العربية وتوحيدها مع القوى الإقليمية(تركيا-إيران)فإننا على اعتاب إعادة جدولة للإفلاس السياسي، ينقذنا من كهوف الهزيمة والخضوع،والبدء بكتابة صفحة جديدة عنوانها النصر الممكن... والخلاص من الهزيمة المستمرة...
بيروت في 29/3/2010 *سياسي لبناني